بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
زيارة قديمة للنفق الذي كان شاهدا على بطولات اهل الرس ضد حملة ابراهيم باشا على نجد، وهذه الزيارة كانت منذ مايقارب 20 سنة وربما تغير الشكل العام للنفق لاني لم ازرة بعدها. والمعلومات في الاسفل مصدرها جريدة الرياض
بدأ حصار ابراهيم باشا للرس في الخامس والعشرين من شهر شعبان عام 1232ه، واستمر حتى الثاني عشر من شهر ذي الحجة من السنة ذاتها بعد أن أعيته الحيلة، وعجز عن دخول المدينة، فطلب الصلح من أهلها ورضخ لشروطهم وقد خسر من المؤن والجند والسلاح ما لم يحسب له حساب، وذلك بعد المحاولات الثلاث الكبرى للاقتحام والتي كان من بينها حفر نفقين أمام أسوار المدينة أحدهما جنوبها، والثاني في الجهة الشرقية منها، والذي ما يزال ماثلاً وشاهداً يحكي لنا أحداث بداية حملة إبراهيم باشا على المدن النجدية التي بدأها بمدينة الرس،
المحاولة الأولى
وكانت المحاولة الأولى مع أول يوم من وصول الباشا وقد دعته غطرسة لأن يهاجم المدينة مباشرة دون أن يقيم معسكراً، كما ذكر الباحث "محمد المزروع"، وقد أمر الباشا المدفعية أن تضرب سور المدينة من مكان قريب ولكنه ورجاله فوجئوا بنيران أهل المدينة المحاصرة التي قتلت منهم عدد كبير، وذلك حينما أحدثت المدفعية خرقاً في السور، فتقدم المشاة لعبور الخندق بعد أن صفوا حزم من جذوع النخل وضعوا عليها أكياس القش وتقدم ستمائة من المشاة لتجاوز الخندق ولكنهم لم يستطيعوا لأن الجذوع لم تكن كافية فاستغلها المحاصَرون وفتحوا النار على الغزاة في أحداثٍ وصفها الضابط البريطاني الذي وصل إلى المنطقة لمقابلة الباشا بعد انتهاء حملته - ومر على معظم المدن التي حاصرها الباشا - واصفاً غضب إبراهيم باشا من جنوده بعد فشلهم في الاقتحام بقوله: "وصار الباشا بمعاونة مماليكه يرمي بالرصاص كل جندي يحاول الانسحاب، وكانت نتيجة ذلك أن عانى المشاة التعساء من خسائر فادحة، وقد أصدر أمره بحرمان أولئك الذين قتلوا من حقهم في الدفن بسبب تأجج غضبه من الهزيمة"، وبعد أن ذكر "سادلير" مدة الحصار التي استمرت أكثر من ثلاثة أشهر ونصفالشهر قال في وصف ما أبداه أهالي الرس في رد الغزاة أنهم أبدوا "فناً وعلماً أكثر مما أبداه القائد التركي"، ثم ذكر خسائر جيش الغزاة من السلاح والمؤن والرجال، كما وصف "ابن دعيج" هذه الأحداث ومقاومة أهالي الرس بأرجوزته الشهيرة التي تربو على السبعمائة بيت.
المحاولة الثانية
وقد تلخصت هذه المحاولة بأن أمر إبراهيم الباشا جنوده بالقيام بعملية فدائية لتسلق السور الذي يبلغ ارتفاعه حوالي خمس أمتار، وفعلاً تم لأكثر من مائة من الجنود ذلك، ثم نزلوا على منزل رشيد الرشيد – وهو الآن موقع المدرسة المحمدية كما يذكر الباحث "صالح المزروع"، ولكن الشيخ والقاضي المعروف "قرناس بن عبدالرحمن" تصدى لهم مع بعض رجاله فقتلهم هو ومن معه وسالت دمائهم من مثعب الرشيد، فسمي مثعب الدم إلى أن أقيمت في مكانه المدرسة المحمدية.
المحاولة الثالثة وحفر النفق
حين يأس الباشا من اقتحام المدينة، وقال عبارته الشهيرة: "يا رس يا عاصي أقضيت ملحي ورصاصي" لجأ إلى حيلة أخيرة حفر خلالها نفقين أحدها جنوبي المدينة، والثاني من الناحية الشرقية، وبدأ جنوده يملأون النفق بالبارود والملح ولكن قدر الله سبحانه أن يبطل هذه الخطة التي من شأنها نسف المدينة بأكملها، وذلك حين سمعت "مضاوي الجلالي" زوجة الشيخ قرناس وهي تصلي الثلث الأخير من الليل أصوات الفؤوس والحفر تحت الأسوار فأخبرت زوجها الذي كان يقود معركة الدفاع عن المدينة بعد إصابة أميرها "منصور العساف"، وحينها لجأ قرناس ورجاله لحيلة غاية في الدهاء وذلك حينما جاءوا بعسيب نخل يابس وربطوه بذيل قطة وأشعلوا فيه فتيلة ووجهوا القطة إلى نقب حفروه إلى أن اتصل بنفق الغزاة فدخلته القطة هاربة من نار الفتيل وثار الخندق بما فيه من البارود والأسلحة بجنود الباشا فكانت الضربة القافية له ليوقع بعدها على الصلح.
ماذا قال المؤرخون؟
يصف "ابن بشر" الأحداث التي صاحبت حفر النفق بعد أن بيّن قوة تسلح جيش الباشا، قائلاً:"وتابعوا الحرب عليهم في الليل والنهار وكل يوم يسوق الباشا على سورها صناديد الروم بعدما يجعل السور بالقبوس فوق الأرض مهدوماً، فأنزل الله السكينة على أهل البلد والمرابطة، وقاتلوا قتال من حمي الأهل والعيال وصبروا صبراً ليس له مثال، فكلما هدما القبوس السور بالنهار بنوه بالليل، وكلما حفر الروم حفراً للبارود حفر أهل الرس تجاهه حتى يبطلوه، وبعض الأحيان يثور عليهم وهم لا يعلمون".
أما "الرافعي" المفاخر بحملة الباشا فيقول واصفاً حصار الباشا للمدينة: "وجلب المدافع لرميها، وأقام الاستحكامات حولها، لكنها كانت على قوة ومنعة، فاستمر الحصار ثلاثة أشهر وسبعة عشر يوماً دون أن ينال منها طائلاً"، ثم وصف دفاع أهلها عنها بدفاع الأبطال، وقال:"بالرغم من قتالهم جيشاً مسلحاً بالبنادق الحديثة، ولم يكن عندهم إلا البنادق من الطراز العتيق الذي يطلق بالفتيلة، ومع ذلك صدوا هجمات الجيش "الغازي" ثلاث مرات، وكبدوه خسائر جسيمة وبلغ عدد قتلاه مدة الحصار 2400 جندي على حين لم يقتل "المحاصرين" سوى 160 مقاتلاً"، وهذا يدلل على فداحة الخسائر التي أصابت الجيش "الغازي" في حصار الرس، ثم وصف حال جيش الباشا وعدم استطاعته إكمال الحصار فقال: "أضف إلى ذلك ما خامر نفوس الجنود من الملل واليأس، وما قاسوه من الشدائد والأهوال.."، فاضطر إبراهيم باشا أن يرفع الحصار.
أما "فيلكس مانجان" وهو الفرنسي المرافق لحملة نابليون على مصر والذي ضل في مصر بعد الجلاء الفرنسي، وأصبح صديقاً حميماً لمحمد علي باشا، فقد وقف على الأحداث ووصفها وصفاً دقيقاً بحكم صلته بمحمد علي ومعاصرته للحملة، حيث قال أثناء المحاولات الثلاث لاقتحام الرس "إلا أن المحاصرين استرشدوا بدوي المدافع.. لمعرفة موقع القوات المعادية التي بذلت جهداً بلا طائل كانت النساء وراء الأسوار يشعلن سعف النخيل الجاف المطلي بالصمغ لإضاءة الميدان للمدافعين.. لقد تصدى المحاصرون لهجوم الأتراك في كل المواقع، فاضطر هؤلاء إلى التراجع: ولم نكن نرى إلا القتلى، والجرحى".
ثم وبعد أن ذكر المدد الكبير الذي وصل إلى الباشا بقيادة "البنباشي ياور علي" والهجوم الذي أعقب هذا المدد قال "مانجان": "ولم يسفر الهجوم عن شيء، وأجبرت بسالة المدافعين المحصورين الأتراك على التراجع، ولم تكن نتيجة هذا الهجوم أقل سوءاً من الهجوم الأول وأصيب ياور علي الذي كان في الطليعة مع بعض من أكثر الجنود شجاعة بجرح بالغ"، ثم وصف مانجان المحاولة الثالثة للباشا لتدمير السور، وقال - بعد أن وصف سلاح المحصورين واقتصاره على الرماح وبنادق "الفتيلة" -: "لقد حاولوا القيام بهجوم ثالث ولم تكن نتائجه مختلفة في فشله وخيبته عن الهجومين الأولين".
ورغم انقطاع الإمدادات عن المحاصرين إلا أنهم استطاعوا أن يصلوا إلى مدافع الخصوم وضربها بالبنادق لكنهم لم يعرفوا أنهم لو أغلقوا فوهاتها بالمسامير لأبطلوا مفعولها، وهذا ما أشار إليه مانجان وغيره، ثم أنهى مانجان حديثه عن المعركة بوصفه لشروط الصلح بقوله: "لم يكن فيه كثير مما يشرف الجيش التركي، فبعد ثلاثة أشهر وعشر يوماً من الحصار، أقر إبراهيم باشا بالخطر الذي يحيق به، ووافق على شروط صعبة دفعه للموافقة عليها وضع جنوده، ومقاومة المحاصرين".
أما المؤرخ الفرنسي "إدوارد جوان" المعجب بمحمد علي باشا وابنه وبالهجوم الفرنسي على مصر والذي نقل عن مانجان معظم أحداث هذه الحملة، فيصف كيف استطاع الباشا قتل وجرح ثلاثمائة رجل ممن هاجموا القوات الغازية لمناصرة المدينة المحاصرة؟ وكيف أن الباشا رفع جماجم القتلى ورؤوسهم على سور مدينة الرس ليخيف أهاليها الذين وصف إدوارد جوان ردة فعلهم بقوله: "وكان يرمي إلى التأثير في نفوس المحصورين وإلقاء الفزع في روعهم، إلا أنه لم يظفر بمراده لأنه بث بفعله في نفوسهم النشاط والهمة وحفزها للأخذ بالثأر فاندفعوا خارج الأسوار واشتبكوا برجاله في معركة سالت الدماء فيها غدراناً".
0 تعليقات